سورة العنكبوت - تفسير تفسير الخازن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (العنكبوت)


        


{يستعجلونك بالعذاب} أعادة تأكيداً {وإن جهنم لمحيطة بالكافرين} أي جامعة لهم لا يبقى منهم أحد إلا دخلها {يوم يغشاهم العذاب} أي يصيبهم {من فوقهم ومن تحت أرجلهم ويقول ذوقوا ما كنتم تعملون} أي جزاء ما كنتم تعملون. قوله تعالى: {يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبد ون} قيل نزل في ضعفاء مسلمي أهل مكة يقول الله تعالى إن كنتم في ضيق بمكة من إظهار الإيمان فاخرجوا منها إلى أرض المدينة فإنها واسعة آمنة، وقيل نزلت في قوم تخلفوا عن الهجرة وقالوا نخشى إن هاجرنا من الجوع وضيق المعيشة فأنزل الله تعالى هذه الأية ولم يعذرهم بترك الخروج وقيل المعنى فهاجروا فيها أي فجاهدوا فيها. وقال سعيد بن جبير: إذا علموا في الأرض بالمعاصي فاهربوا منها فإن أرضي واسعة وقيل إذا أمرتم بالمعاصي فاهربوا فإن أرضي واسعة وكذلك يجب على كل من كان في بلد يعمل فيه بالمعاصي ولا يمكنه تغيير ذلك أن يهاجر إلى بلد تتهيأ له فيها العبادة وقيل معنى إن أرضي واسعة يعني رزقي لكم واسع فاخرجوا {كل نفس ذائفة الموت} يعني كل أحد ميت خوفهم بالموت لتهون الهجرة عليهم فلا يقيموا بدار الشرك خوفاً من الموت {ثم إلينا ترجعون} فنجزيكم بأعمالكم.
قوله تعالى: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفاً} أي علالي جمع غرفة وهي العلية {تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نعم أجر العاملين} أي لله بطاعته {الذين صبروا} على الشدائد ولم يتركوا دينهم لشدة لحقتهم وقيل صبروا على الهجرة ومفارقة الأوطان وعلى أذى المشركين وعلى المحن والمصائب وعلى الطاعات وعن المعاصي {وعلى ربهم يتوكلون} أي يعتمدون على الله في جميع أمورهم. قوله عز وجل: {وكأين من دابة لا تحمل رزقها} وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمؤمنين الذين كانوا بمكة وقد آذاهم المشركون «هاجروا إلى المدينة» فقالوا كيف نخرج إلى المدينة وليس لنا بها دار ولا مال فمن يطعمنا بها ويسقينا فأنزل الله: وكأين من دابة لا تحمل رزقها أي لا ترفع رزقها معها لضعفها ولا تدخر شيئاً لغد مثل البهائم والطير {الله يرزقها وإياكم} حيث كنتم {وهو السميع} أي لأقوالكم {العليم} بما في قلوبكم عن عمر بن الخطاب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً» أخرجه الترمذي وقال حديث حسن ومعناه أنها تذهب أول النهار جياعاً ضامرة البطون وتروح آخر النهار إلى أوكارها شباعاً ممتلئة البطون ولا تدخر شيئاً قال سفيان بن عيينة ليس شيء من خلق الله يخبأ إلا الإنسان والفأرة والنملة.
عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أيها الناس ليس من شيء يقاربكم من الجنة ويباعدكم من النار إلا وقد أمرتكم به وليس شيء يقربكم من النار ويباعدكم من الجنة إلا وقد نهيتكم عنه ألا وإن الروح الأمين نفث في روعي» الروح: بضم الراء وبالعين المهملة هو القلب والعقل وبفتح الراء هو الخوف قال تعالى: {فلما ذهب عن إبراهيم الروع} أي الخوف «أنه ليس من نفس تموت حتى تستوفي رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعاصي الله عز وجل فإنه لا يدرك ما عند الله إلا بطاعته».


قوله عز وجل: {ولئن سألتهم} يعني كفار مكة {من خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر} ذكر أمرين أحدهما: إشارة إلى اتحاد الذات والثاني إشارة إلى اتحاد الصفات وهي الحركة في الشمس والقمر {ليقولن الله فأنى يؤفكون} قيل معناه أنهم يعتقدون هذا فكيف يصرفون عن عبادة الله مع إقرارهم أنه خلق السموات والأرض {الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده} لما ذكر الخلق ذكر الرزق لأن كمال الخلق ببقائه وبقاء الخلق بالزرق والله تعالى هو المتفضل بالرزق على الخلق فله الفضل والإحسان والطول والامتنان {ويقدر له} أي يضيق عليه إذا شاء {إن الله بكل شيء عليم} أي يعلم مقادير الحاجات ومقادير الأرزاق {ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله} ذكر سبب الرزق وموجد السبب موجد المسبب فالرزق من الله تعالى {قل الحمد لله} أي على أن الفاعل لهذه الأشياء هو الله تعالى، وقيل قل الحمد لله على إقرارهم ولزوم الحجة عليهم بأنه خالق لهم {بل أكثرهم لا يعقلون} أي أنهم ينكرون التوحيد مع إقرارهم بأنه خالق هذه الأشياء. قوله تعالى: {وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب} اللهو هو الاستمتاع بلذة الدنيا وقيل هو الاشتغال بما لا يعنيه وما لا يهمه واللعب هو العبث وفي هذا تصغير للدنيا وازدراء بها ومعنى الآية أن سرعة زوال الدنيا عن أهلها وتقلبهم فيها وموتهم عنها كما يلعب الصبيان ساعة ثم ينصرفون {وإن الدار الآخرة لهي الحيوان} أي الحياة الدائمة الخالدة التي لا موت فيها {لو كانوا يعلمون} فناء الدنيا وبقاء الآخرة لما آثروا الفاني على الباقي. قوله عز وجل: {فإذا ركبوا في الفلك} معناه هم على ما وصفوا به من الشرك والعناد فإذا ركبوا في الفلك وخافوا الغرق {دعوا الله مخلصين له الدين} أي تركوا الأصنام ولجأوا إلى الله تعالى بالدعاء {فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون} أي عادوا إلى ما كانوا عليه من الشرك والعناد. وقيل: كان أهل الجاهلية إذا ركبوا البحر حملوا الأصنام فإذا اشتد الريح ألقوها في البحر وقالوا يا رب يا رب {ليكفروا بما آتيناهم} أي ليجحدوا نعمة الله في إجابته إياهم ومعناه التهديد والوعيد {وليتمتعوا} معناه لا فائدة لهم في الإشراك إلا التمتع بما يستمتعون به في العاجلة ولا نصيب لهم في الآخرة {فسوف يعلمون} يعني عاقبة أمرهم ففيه تهديد ووعيد: قوله عز وجل: {أو لم يروا أنا جعلنا حرماً آمنا ويتخطلف الناس من حولهم} يعني العرب يسبي بعضهم بعضاً وأهل مكة آمنون {أفبالباطل} يعني الشيطان والأصنام {يؤمنون وبنعمة الله يكفرون} أي بمحمد صلى الله عليه وسلم والإسلام يكفرون {ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً} أي فزعم أن له شريكاً فإنه منزه عن الشركاء {أو كذب بالحق} أي بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن {لما جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين} معناه أما لهذه الكافر المكذب مأوى في جهنم.
قوله عز وجل: {والذين جاهدوا فينا} معناه جاهدوا المشركين لنصر ديننا {لنهدينهم سبلنا} لنثيبنهم ما قاتلوا عليه. وقيل لنزيدنهم هدى وقيل لنوفينهم لإصابة الطرق المستقيمة وهي التي توصل إلى رضا الله تعالى. قال سفيان بن عيينة: إذا اختلف الناس فانظروا ما عليه أهل الثغور فإن الله تعالى يقول: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} وقيل المجاهدة الصبر على الطاعات ومخالفة الهوى وقال الفضيل بن عياض والذين جاهدوا في طلب العلم لنهدينهم سبل العلم والعمل به وقال سهل بن عبد الله والذين جاهدوا فينا بإقامة السنة لنهدينهم سبل الجنة. وقال ابن عباس: والذين جاهدوا في طاعتنا لنهدينهم سبل ثوابنا {وإن الله لمع المحسنين} أي بالنصرة والمعونة في دنياهم والمغفرة في عقباهم في الآخرة وثوابهم الجنة والله أعلم.

1 | 2 | 3